Notice:The articles here express their own authors and not necessarily the Web Master's.
خارطة الطريق هي طريق بلفور د. عبدالستار قاسم 3/8/2003 صحيفة الخليج الإماراتية لم يحرم تصريح بلفور لعام 1917 الفلسطينيين
من كل حقوقهم وأقر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين. وعدت بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود على فلسطين التي لم تكن معروفة الحدود بعد على أن يتم التعامل مع الآخرين على أنهم مجرد طوائف لم تتم الإشارة إلى حقوق
سياسية لها. وقد نصح تشرشل العرب عام 1920 أن يقبلوا ما يطرح عليهم من قبل بريطانيا وأنه لا مفر أمامهم إلا القبول أو مواجهة المتاعب. افترض بلفور أن الأرض بلا شعب وافترض تشرشل أن العرب لن يكونوا يوماً أقوياء قادرين على خوض حرب من أجل استعادة حقوقهم. وهكذا تم التعامل مع الفلسطينيين في الأمم المتحدة. تجاوز القائمون على الهيئة الدولية ميثاقها وأصروا على التقسيم الذي لم يحظ باحترام الداعين إليه وعلى رأسهم الولايات المتحدة. تمسك الغرب بمواقفه عبر سنوات المعاناة الفلسطينية الطويلة وقالوا لنا إن العرب لا يفقهون حديثاً ولا يتعلمون من الماضي ويركبون رؤوسهم بطريقة تقود إلى الآلام والأحزان. ولا يخفي الساسة الغربيون دموعهم التي تعبر عن الحزن لما ألم بشعب فلسطين، لكنهم يحملون قيادة الشعب المسؤولية عما يجري. إنهم يتجاوزون الأهداف الصهيونية والسياسات الغربية الداعمة ويلقون باللوم على قيادة الشعب التي يصفونها بضيق الأفق والغباء وأحياناً بالهتلرية. دافع الفلسطينيون عن فكرة التحرير ورد عليهم الطرف الآخر بمختلف الوسائل والأساليب بحيث توالى جريان الدماء واشتدت المعاناة. لحقت الهزائم بالشعب الفلسطيني وبالدول العربية لتصنع تياراً على الساحة العربية يستجيب للهزيمة ومتطلباتها. لم تدحر الهزائم الشعب إلى زاوية الاستسلام واستمر الإصرار الشعبي على مواصلة الطريق، إنما تلكأت القيادات على الصعيدين العربي والفلسطيني عن الركب داعية لإلقاء الرحل حيث أمكن الحصول على موافقة الأعداء. وأخذت تتبنى هذه القيادات التفسير الصهيوني-الغربي لتاريخ الصراع وأخذت تشير بإصبع اللوم فيما يخص استمرار المعاناة إلى فلسطينيين وليس إلى الذين صنعوا المشكلة. لم يكن هذا الاتجاه القيادي
بلا جذور تاريخية. فقيادات فلسطين قبل عام 1948 من المجلسين والمعارضة استطابت التعاون مع الإنكليز واختارت أن تنقذ البلاد بالحوار والمذكرة والبيان والمظاهرة والشجب
والاستنكار على حساب المقاومة. لم تتحدث تلك القيادة في حينها عن التحرير واكتفت بالمطالبة بالاستقلال، وطفق العديد من عناصرها يبحثون عن يهود يشترون الأرض لتوفير الأموال اللازمة لإشباع شهواتهم. باع قياديون كثر أراضي في السهل الساحلي وفي مرج ابن عامر والقدس وطبريا وبيسان. وبالرغم من كل ما قدمته من خدمات مقصودة وغير مقصودة للصهاينة إلا أن الصهيونية طردتهم مع المطرودين عام 1948. هذه القيادات رفضت إحياء ذكرى استشهاد الثلاثة في سجن المزرعة في عكا وطالبت الجماهير بالاكتفاء بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ورفضت معاونة القسام وساهمت في إفساد ثورة عام 1936. لم تصْح القيادة على نفسها إلا بعد أن طرحت بريطانيا التقسيم الأول عام 1937 لتعرف أن كل مقارباتها لتحقيق الاستقلال لم تجلب على الشعب الفلسطيني إلا الوبال. وقد كان في تلك التجربة ما أكد تقدم الشعب الفلسطيني على قيادته. قدم الشعب التضحيات وكان لديه الاستعداد لتقديم المزيد، إلا أن دماء الشهداء لم تكن عالية القيمة فساومت القيادات وذهبت التضحيات سدى. أي أن الأحزان الفلسطينية لم تكن لأن الشعب الفلسطيني غبي أو متطرف أو لا يكاد يفقه قولاً وإنما بسبب الغزو الصهيوني- البريطاني والمساومة الرسمية الفلسطينية. لم تتعلم قيادة الشعب الفلسطيني
بعد عام 1967 الدرس، أو أنها تعلمته وأرادت إكمال المشوار. قدم الشعب الكثير من التضحيات في سبيل شعارات سامية تتعلق بتحرير الأرض والعودة، لكن الرحال حط أخيراً في
أوسلو. السيد عرفات هو الذي قاد المسيرة إلى أوسلو بمساعدة نفر قليل جداً من الفلسطينيين. لم يكن الشعب صاحب كلمة ولم يشارك في اتخاذ القرار، وبقي عرضة لتأثير عدد كبير من المنتفعين على الساحة الفلسطينية والذين أمدتهم القيادة الفلسطينية عبر
السنوات بالمال ودعم الإعلام. ثورة فلسطين ثورة ثرية جداً
واستطاعت أن تستقطب الكثيرين من المؤيدين من خلال المال (الذي أصبح يعرف على الساحة العربية بالعلف) والذين شكلوا لقاء ذلك الجوقة التي تسير في كل زفة قيادية. ذهبت الشعارات إلا من شعار "يا جبل ما يهزك ريح" وقلقت دماء الشهداء بلا قيادة تستجيب. الغريب أن قيادة فلسطين ملكت المال الوفير وحصلت عليه من دول عربية موالية للولايات المتحدة وترغب بإقامة علاقات مع "إسرائيل". كانت هذه القيادة موصوفة من قبل "إسرائيل" وأمريكا بأنها إرهابية لكنها لم تتعرض للحصار المالي والإعلامي، وبلغ الحد بفرنسا أن وظفت محطة إذاعية لخدمتها. لماذا؟ أوسلو هو تصريح بلفور موسع. ما أخذه الشعب
الفلسطيني في أوسلو هو ما أعطانا إياه بلفور عندما قال بالمحافظة على حقوق الطوائف غير اليهودية في فلسطين. أقرت قيادة فلسطين في أوسلو بأن فلسطين هي الوطن القومي لليهود وقبلت بأن تقوم على شؤون مدنية ودينية منقوصة. لأول مرة توقع قيادة نيابة عن الشعب بأن الوطن ليس الوطن وتعتذر برسائل مكتوبة عن نضال الشعب الفلسطيني بنبذها لما سمي بالإرهاب. والأهم أن فلسطينيين أصبحوا حراساً على مملكة "إسرائيل" يعتقلون الذين يحاولون المضي في الجهاد أو يسلمون بعضهم أحياناً لـ"إسرائيل" بطرق متنوعة. وكان الأسوأ أن هؤلاء الفلسطينيين برروا أعمالهم باسم المصلحة العليا الفلسطينية والمحافظة على نفوس المعتقلين. لقي أغلب هؤلاء المعتقلين مصرعهم خلال الانتفاضة الحالية. وعلى الرغم من أن التوقيع على أوسلو يتطلب الشعور بالخجل والتواري، أو ربما القيام بالعمل الطيب طلباً للغفران، إلا أن العديد من رجال السلطة المتنفذين خاضوا معركة فساد هائلة وسريعة. لقد أنجزوا
من الفساد خلال بضع سنوات ما عجزت الاستبداديات عن إنجازه خلال عقود من الزمن. لقد أثبتوا براعة ومهنية فائقة في التزوير والدجل والسرقة والتحايل. فتح أوسلو الباب أمام المزيد من
البناء الاستيطاني ومصادرة الأراضي والطرق الالتفافية والإغلاق والحصار. صاح شعب فلسطين بوجه الاتفاق إلا أن القيادة صممت على المواصلة قائلة إن حماس والجهاد الإسلامي تفسدان العمل وتدفعان "إسرائيل" إلى التشدد بسبب ما تقومان به من أعمال عسكرية. ربما كان هذا وراء الحصار والإغلاق، لكن ماذا عن مواصلة الاستيطان والطمع في المقدسات وفتح الطرق الالتفافية؟ كان واضحاً أن "إسرائيل" استمرت في تنفيذ المشروع الصهيوني وذلك باستمرار تهويد الأرض والتطلع نحو البلدان العربية المجاورة. والشعب
الفلسطيني بالنسبة لها ليس إلا مجرد أناس تجمعوا ومن المهم تلبية احتياجاتهم اليومية واستخدامهم في بناء الاقتصاد "الإسرائيلي". ولم يسلم أحد من النظرة الصهيونية تجاه الغير إلى درجة أن السيد عرفات الذي تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء لميثاق
منظمة التحرير التي يقودها من أجل السلام مع "إسرائيل" قد طاله الحصار. بين التضحية والمساومة باختصار، يقدم الشعب الفلسطيني كل عدة سنوات
تضحيات جساماً. يسقط الشهداء ويقع الجرحى، ويؤسر المناضلون وتهدم البيوت وتنهمر الدموع مدرارة من عيون الأرامل والثكالى واليتامى ليظهر على الشعب في النهاية
من يقول: "لقد تعبتم وأنتم بحاجة إلى الراحة." هذا الذي يتطوع دفاعاً عن راحة الشعب هو الذي لا يقدم التضحيات والمرتبط بمصالح إما مالية أو اقتصادية أو وجهية أو غير ذلك مع العدو، وهو نفسه الذي يسرق أموال الشعب ويساوم على الوطن. يقوم الشعب ضد الاحتلال ويتم رفع الشعارات الكبيرة التي كان تحرير فلسطين على قمتها في الأيام الغابرة وإقامة الدولة في الأيام الجارية، وينهمك السياسيون والإعلاميون وأصحاب العقلنة والتهدئة لتعود الأمور إلى سالف عهدها تحت مظلة من وعود غامضة لا تتحقق. اعترفت القيادة بـ"إسرائيل"
وتنازلت عن هدف التحرير وقبلت بالحكم الذاتي وبقرار 242 الذي لا يأتي على ذكر الشعب الفلسطيني واعتقلت المناضلين وأقامت علاقات تطبيعية سياسية واجتماعية واقتصادية مع "إسرائيل" وأصبحت تحصل على أموال علنية من الذين أقاموا "إسرائيل" وسببوا الأحزان لشعب فلسطين والأمة ككل. وقد بدت المأساة أو المهزلة وكأن شعب فلسطين يقدم التضحيات من أجل القبول بالتنازلات. ولهذا من الصعب زجر شخص عادي ينادي بوقف الانتفاضات والثورات والقبول بما تقدمه "إسرائيل". إذا كان مردود التضحيات هو التنازلات فلماذا لا يتنازل الشعب بدون تضحيات؟ هذه هي النتيجة التي، حسب قراءتي لتاريخ الصراع،
رغبت القيادة في الوصول إليها. خريطة الطريق عبارة عن امتداد
للماضي. إنها اتفاق أوسلو ومبادرة تينيت وتقرير ميتشيل. إنها أقل من تصريح بلفور لأنها تعد بحقوق مدنية ولا تأتي على ذكر الحقوق الدينية، لكنه يزين فكرة إقامة كيان
تستعبده "إسرائيل" بوصف الدولة. إنها مبادرة أمنية في جوهرها وتدعو الأطراف للعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة الحالية والعودة إلى طاولة المفاوضات. إنها تشدد على ضرورة قيام الفلسطينيين بتلبية المتطلبات الأمنية "الإسرائيلية" ومن دون أن تعالج أي قضية من قضايا الشعب الفلسطيني الهامة. الخريطة عبارة عن تأكيد للمشروع الصهيوني الذي ينفي بالتأكيد الطموح الفلسطيني ويعمل على قتله. خياران الشعب الفلسطيني أمام خيارين: إما أن يقرر
إلقاء السلاح ويرتضي بنصيحة تشرشل لعام 1920 ويطبقها عام 2003، ويكتفي بما يعطيه الصهاينة له، أو أن يستمر في جهاده مع عمل على الساحة الدولية للتأثير في الرأي العام العالمي. الخيار الأول هو الخيار الصهيوني الذي يأخذ أرض فلسطين والمقدسات ويتطلع صوب الشمال والشرق. الخيار الثاني هو طريق المعاناة والأحزان والآلام. إنه الخيار الذي يولد رد الفعل "الإسرائيلي" القاسي. الخيار الأول يمنحنا فرصة أن نكون خدماً عند "إسرائيل"، والخيار الثاني عبارة عن فرصة للتحرير. يشهد التاريخ أن الخيار الأول هو طريق الاختفاء أو الانقراض، أما الخيار الثاني فهو طريق النصر. الأول طريق الذل المستمر بالهزيمة والثاني طريق المعاناة التي لا يتحقق نصر من دونها. وفي كل الأحوال لا يوجد نصر بالاسترخاء، ولا تقوم دولة من على طاولة المفاوضات، ولا مقاومة بدون إجراءات "إسرائيلية" قاسية. معاناة الناس استعملت القيادة الفلسطينية منذ عام 1920 حتى
الآن آلام الناس من أجل تبرير مهادنتها للأعداء. وعلى الرغم من أن الأعداء سبب رئيس وقوي للآلام والأحزان إلا أن القيادات كانت أيضا عاملاً مساعداً من حيث مساوماتها واستغلالها للناس وتجاوز مصالحهم خدمة لمصالحها هي. ضاعت البلاد
ونُكب العباد واستمر ذرف الدموع الزائفة على المصلحة الوطنية ومصالح المواطنين. الثورة أو المقاومة التي لا تراعي هموم الناس واهتماماتهم لا يمكن أن تنجح لأن الناس أنفسهم هم رصيدها وعمقها وظهيرها. ولهذا من المهم القيام بالتالي: أولاً: من المطلوب تقييم الأوضاع بين الفينة والأخرى لتتلمس الفصائل والأحزاب متطلبات الناس وتبرمج أعمالها وكثافتها تبعاً لذلك. من الممكن أن تتقدم خطوة إذا رأت قوة دفع لدى الناس، ومن الممكن أن تتراجع خطوة إذا تراجع الناس. لكن لا يجوز بتاتاً أن تعزل الفصائل نفسها عن الجمهور ضاربة بعرض الحائط برأيه ومتطلباته. ثانياً: فشلت القيادة الفلسطينية منذ بداية الصراع في وضع البرامج الاقتصادية والتعليمية والثقافية والاجتماعية المختلفة لمواجهة الظروف الاعتيادية والطارئة. يمر الشعب بفترات حرجة ومن المفروض أن تكون هناك خطوات لمعالجة المشاكل الناجمة. قامت هذه الانتفاضة ونحن لا نعرف كيف نسد رمق المحتاجين أو نرعى الذين فقدوا أعمالهم ولم يعد لديهم مال يكفيهم تكاليف المعيشة بحدها الأدنى. ولهذا لم يكن من الغريب على مدى مراحل الصراع أن نجد من بين الشعب من تقتله التخمة ومن يقتله في ذات الوقت الجوع. يتذرع القائمون على الأمر بالاحتلال، لكن لا يخفى أنه يتم استخدام الاحتلال أحياناً لتبرير العجز والفشل. ومن
يستخدم الاحتلال لمنافع خاصة لا يريد زوال الاحتلال. إذا كانت القيادة لا تتحمل
مسؤولية وتمتنع عن تطوير البرامج الضرورية فإن المعارضة تتحمل مسؤولية. صحيح أن المقدرات العامة بيد السلطة وهي الأقدر على تطوير البرامج وتنفيذها لكن هذا لا يعفي المعارضة أو الفصائل من تحمل مسؤولياتها. وهنا أذكر بيان العشرين الذي هاجم الفساد وطالب بوقفة في وجه الفساد. المظاهرة الوحيدة التي خرجت في البلاد إثر ذلك هي مظاهرة تأييد الفساد في رام الله والتي نظمتها السلطة، أما المعارضة، إلا من أعمال بسيطة، فقد ألهت نفسها بالتساؤل عن هؤلاء الذين أصدروا البيان وكأن المسألة مسألة وجاهة. في كل الأحوال، الذين يقومون
بالفساد ويتجاهلون مصالح الناس لا يريدون دولة ولا يريدون وطناً. ولهذا فإن موقعهم السياسي الصحيح هو بوتقة بلفور. خريطة الطريق هي امتداد لبلفور، وبلفور هو منبع للمأساة، ولا أظن أن البلفوريين مشغولون بمصلحة الناس التي تتناقض مع المشروع الصهيوني.
|
|